الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال آخر في غيره: ثم تظاهرت الأعداء في العداء واشتد الخوف وكثر الرعب والمنافقون يرجفون في الناس ويتسللون ورسول اللّه ينتظر وعد ربه عز وجل، فجاء نعيم بن مسعود ابن عامر من بني غطفان، وهذا غير نعيم المار ذكره في الآية 173 من سورة آل عمران المارة وقد حان الأجل المقدر لنصرة الرسول وإجابة طلبه وتنفيذ وعده فسخر نعيما المذكور بما ألقاه اللّه في قلبه ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا، وقال يا رسول اللّه أسلمت وقومي لا يعلمون، فأمرني بما شئت، فقال صلّى اللّه عليه وسلم خذّل عنا إن استطعت فإن الحرب خدعة، فذهب إلى بني قريظة قال لهم تعرفون ودي لكم خاصة، قالوا لا نتهمك، قال ولكن اكتموا علي قولي، قالوا نعم، قال إن قريشا وغطفان الذين ظاهرتموهم على قتال محمد ليسوا كهيئتكم لأن البلد بلدكم فيه أموالكم ونساؤكم لا يمكنكم النحول منه إلى غيره، وإن قريشا وغطفان إن لم يصيبوا شيئا لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين هذا الرجل ولا طاقة لكم به، فالرأي أن لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن من أشرافهم على أن يقاتلوا معكم حتى تناجزوا محمدا، قالوا رأي نافع، ثم تركهم وذهب ليلته إلى قريش فقال لهم قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا، وقد بلغني أمر رأيت أن أنصحكم به فاكتموا عليّ، قالوا نفعل، قال إن معشر يهود قريظة ندموا وأرسلوا إلى محمد بأنه هل يرضيك أن نأخذ رجالا من أشراف قريش وغطفان ونرسلهم لك، فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي، فرضي منهم ذلك، فاجمعوا أمركم وانظروا ما ترون، فقد أعذر من أنذر، وقد أديت ما علي لكم، ثم تركهم وذهب إلى غطفان وقال لهم أنتم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي، قالوا صدقت، قال فاكتموا علي، قالوا نفعل، فقال لهم ما قال لقريش وحذرهم أن يبعثوا رهائن إلى اليهود، فلما أيقنوا ما أرشدهم إليه نعيم ونصحهم به بعث أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان يقولون لهم إنا لسنا بدار إقامة، وقد هلك الخف والحافر، فاستعدوا للقتال حتى نتاجز محمدا، فارسلوا إليهم أن اليوم سبت لا يعمل فيه شيء على أنا لا نقاتل محمدا بعده حتى تعطونا رهائن من كبار رجالكم لأننا نخشى أن فرستكم الحرب تسيروا لبلادكم وتتركونا، فرجع الرسل وأخبروا قومهم، فقالوا كلهم إن ما أخبر به نعيم لحق، فأرسلوا خبرا لبني قريظة أنا لا نرسل لكم أحدا فإن كنتم تريدون القتال قاتلوا وإلا فانظروا ما ترون، فقال بنو قريظة بعضهم لبعض إن ما ذكره نعيم لصحيح وهو حق ونصح، وخذل اللّه بينهم بما ألهم نعيما، وأرسل عليهم ريحا شديدة، وكانت الليالي شاتية باردة جدا، فجعلت تكفأ القدور وتطرح الأواني، وأرسل اللّه عليهم جنودا من جنوده تقيم القاعد وتقعد القائم فاختل نظامهم وتفرقت آراءهم، وأوقع اللّه في قلوبهم الرعب والحيرة، ولما بلغ رسول اللّه ما فعل نعيم وما وقع بينهم من التخاذل وسوء ظن بعضهم ببعض أرسل حذيفة بن اليمان ليأتيه بخبرهم وقال له لا تحدثن شيئا حتى ترجع إلي ودعى له، قال حذيفة فأخذت سهمي وانطلقت، فإذا الريح وجنود اللّه التي لم تر تفعل بهم فعلا عجيبا.فلا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا خباء، وإذا أبو سفيان قاعدا، ولولا وصية رسول اللّه لقتلته، وإذا هو قام فقال يا معشر قريش ليأخذ كل منكم بيد جليسه فلينظر من هو، فأخذت أنا بيد رجل، فقال لي من أنت قلت سبحان اللّه أما تعرفني؟ فسكت، فقال أبو سفيان يا قريش ما أصبحتم بدار إقامة وقد أخلفتنا بنو قريظة وهلك الخف والحافر وألقينا من هذه الريح ما ترون، فارتحلوا إني مرتحل، وقام وركب جمله وهو معقول فأطلق عقاله وهو راكب، فسمعت غطفان بما فعلت قريش ففعلت مثلها، وثاروا ثورة رجل واحد راجعين إلى بلادهم، فرجعت أبشّر رسول اللّه، فصار يضحك، وفشا خبرهم وأعز اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلم وأخزى أعداءه.
فقالوا مجيبين له بشوق ورغبة: قال البراء بن عازب كان النبي ينقل التراب معنا ويقول: هذا، وما وقع منه صلّى اللّه عليه وسلم من هذا ومن قوله في غير هذا الموضع: لا يسمى شعرا وإن كان على وزنه لأنه غير مقصود وهو من قسم الرجز الذي لا يسمى شعرا كما ألمعنا إليه في الآية 69 من سورة يس والآية 227 من سورة الشعراء ج 1، وكذلك لا يسمى ما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى: {وجفان كالجواب وقدور راسيات} وقوله: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإنَّما يَتَزَكَّى لنَفْسه} وقوله: {وَمَنْ يَتَّق اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ منْ حَيْثُ لا يَحْتَسبُ} وقوله: {وَدانيَةً عَلَيْهمْ ظلالُها وَذُلّلَتْ قُطُوفُها تَذْليلًا} وغيره مما هو بيت كامل أو شطر بيت كقوله: {هَيْهاتَ هَيْهاتَ لما تُوعَدُونَ} وقوله: {الْحَمْدُ للَّه الَّذي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وقوله: {الْحَمْدُ للَّه الَّذي فَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ} وقوله: {فَأَصْبَحُوا لا يُرى إلَّا مَساكنُهُمْ} وغير ذلك فلا يسمى شعرا للأسباب المبينة أعلاه وبما فيها، وإن زعموا ما زعموا.هذا ما فعله اللّه بالأحزاب وأقرّ به عين رسوله والأصحاب، وأخزى أعداءه، وانظر فعله بالذين والوهم في قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذينَ ظاهَرُوهُمْ منْ أَهْل الْكتاب} وهم بنو قريظة الخائنون الناكثون العهد في حالة العسرة {منْ صَياصيهمْ} حصونهم ومعاقلهم {وَقَذَفَ في قُلُوبهمُ الرُّعْبَ} إذ تركهم حلفاؤهم وذهبوا، ثم بين اللّه لرسوله كيف يفعل بهم بقوله: {فَريقًا تَقْتُلُونَ} أي الرجال منهم {وَتَأْسرُونَ فَريقًا} (26) النساء والذراري، ثم أباح لهم جميع ما يملكون بقوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَديارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَؤُها} وهي أراضي خيبر {وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَديرًا} (27) لا يعجزه الأحزاب ولا غيرهم.وخلاصة هذه القصة على ما ذكره الأخباريون أنه لما كان الظهر من صبيحة هزيمة الأحزاب في ذي القعدة سنة خمس، نادى منادي رسول اللّه أن لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: لما رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من الخندق ووضع سلاحه واغتسل أتاه جبريل عليه السلام فقال قد وضعت السلاح، واللّه ما وضعته، أخرج إليهم، قال أين؟ قال هاهنا وأشار إلى بني قريظة.وروى البخاري عن أنس قال: كأني أنظر إلى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل حين ذهب ورسول اللّه إلى بني قريظة، وقيل جاء جبريل النبي صلّى اللّه عليه وسلم في بيت زوجته زينب بنت جحش وقال له قد وضعت السلاح؟ قال نعم، قال جبريل عفا اللّه عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين يوما إن اللّه يأمرك بالمسير إلى بني قريظة وأنا عامد إليهم، فأمر عليه الصلاة والسلام عليا كرم اللّه وجهه أن يتقدم بالراية حتى دنوا حصونهم، فقال رسول اللّه قد أخزاكم اللّه يا اخوان القردة وأنزل بكم نقمته، قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا، وإنما قال لهم ذلك لأن عليّا كرم اللّه وجهه لما تقدم سمع منهم قولا خبيثا في حق الرسول، فأخبره، وقال له لا تدن من هؤلاء الخبثاء، فقال لعلك سمعت منهم لي أذى قال نعم، فقال ما قال، ثم قال لأصحابه الذين هم بالصورين اسم موقع هناك حين مرّ عليهم هل مرّ بكم أحد، قالوا رأينا دحية بن خليفة، فعرف أنه جبريل ونزل صلّى اللّه عليه وسلم على بئر من آبارهم وتلاحق بعض أصحابه وقت العشاء وصلوا العصر هناك اتباعا لأمره صلّى اللّه عليه وسلم ولم يعب من نأخر أو يعنفه، وحاصرهم وكان حي بن أخطب وفتى لرئيسهم كعب بن أسد ودخل معه الحصن إنقاذا لعهده المار ذكره في الآية 25 لقاء نقضه عهد رسول اللّه، وعرفوا أن الرسول لم ينصرف عنهم حتى يناجزهم، فقام فيهم كعب وقال يا معشر يهود هل تتبعون هذا الرجل فتؤمنون به وهو نبي مرسل تجدونه في كتابكم وتأمنون على أموالكم وأولادكم ونسائكم ودياركم؟ قالوا لا، قال تقبلون نسائكم ورجالكم وأولادكم يخرجون لقتاله غير تاركين وراءكم ما يهمكم؟ قالوا لا، قال هذه ليلة السبت فعسى أن يكون محمدا وأصحابه أمنوا فانزلوا لعلنا نصيبهم على غرة، قالوا لا تفسد سبتنا فيصيبنا المسخ، قال ما يأت أحد منكم ليلته حازما.
|